Wednesday, September 17, 2014

نصب الحرية في ظل عدم تواجدها...

بقلم : تبارك
By : Tabark
نصب الحرية في ساحة التحرير الذي يقف شامخا وسط بغداد ذلك النصب الرائع بليغ التعبير يروي قصة الحرية في بلدا لم تجد فيه الحرية مكانها الا لفترات قصيرة لا تجد متسعا لها في كتب التأريخ لضئالة تلك الفترات .... نصب الحرية وهو احد ابداعات النحات العراقي العملاق الراحل جواد سليم مزج من خلاله نقوشا من تلك الحضارات التي يتفرد العراق بأجتماعها معا على ترابه الطاهر.. ولعل اكثر ما يشد انتباهك عندما تنظر اليه ذلك الجندي الذي يكسر قضبان السجن وشمس الحرية تطل من فوق رأسه راسمتا مستقبلا مشرق لهذا البلد العظيم ... لكن نقوش جواد سليم يمكن ان تكون متفائلة اكثر من الواقع القاتم .. فعند اكتمال انشائه في بداية الستينات استبشر العراقيون خيرا في  حاضرهم ومستقبلهم...الشارع يعج بالشعارات الماركسية الشيوعية يتجمع الناس عند جهاز الراديو الخشبي لسماع خطاب الزعيم قاسم ردا على اتهامات زعيما اخر في مصر !! المهاترات والاتهامات تبلغ اشدها مابين مصر الثورة وعراق الثورة !! جمهورية هنا واخرى هناك ,زعيم هنا وهناك.. والشعب منقسم بين الاثنين ... مازالت اثارالرصاص والدماء ماثلة في ساحة ام الطبول حيث اعدم المتأمرون بعد سحق تمرد العقيد الشواف في الموصل وكركوك بطريقة دموية ,اصبح الرفاق الشيوعين مصدر رعب للناس الحديث عن عبد الناصر او مصر او الافكار القومية محرم ..في احد ليالي شتاء بغداد البارد يتحرك الجيش ويخرج من ثكناته مع حلول الصباح اصبح صوت رعيل الدبابات مسموعا في بغداد انهم يتجهون حاملين صور الزعيم المؤطرة على ظهور الدبابات الى وزارة الدفاع ,يقتل الزعيم ومن معه بطريقة وحشية تفرض الاحكام العرفية في البلاد لاخماد غضب الناس ويصدح المذياع بأذاعة البيان رقم 1 مرة اخرى..

يبدأ مسلسل القتل والسحل مرة اخرى ,يعيث الحرس القومي البعثي في الارض فسادا يهلك الحرث والنسل , يتعهد رئيس الوزراء اللواء البكر بوقف همجية الحرس القومي لكن الرئيس المشير عبد السلام عارف لا يمهله لكي يفعل ما وعد انقلاب اخر هذه المرة داخل اركان الحكم !! يطرد البعثيون ويحضر حزب البعث مرة اخرى ..فجأة تسقط الطائرة بالرئيس المشير ويموت في الحال !! رئيس جديد وامال جديدة هذه المرة كان الرئيس هو شقيق الرئيس الراحل !في العراق الحكم لا يخرج من الاطار العائلي !! يبدأ الرئيس المسالم الجديد عهدا جديدا في العلاقات مع الغرب سرعان ما تفسده قيام حرب الايام الست في 1967 .. تتحرك وحدات الجيش العراقي للدفاع عن الجارة الاردن .. يستغل الضباط البعثيون الامر ويحيكون اولى الخيوط للانقلاب على الرئيس الذي يتهمونه بالضعف .. في احد ايام صيف بغداد الحار من السنة اللاحقة تتحرك الدبابات الى القصر الجمهوري يسلم الرئيس السلطة ويترك البلد .. لاول مرة انقلاب ابيض لا تراق فيه الدماء على تربة الرافدين !! يتولى الفريق الطيار حردان عبد الغفار التكريتي اذاعة البيان رقم 1 مرة اخرى !! عهد جديد سرعان ما يكتشف العراقيون عدم اختلافه عن باقي العهود فسرعان ما تنصب المشانق في ساحة التحرير , مؤامرة صهيونية ضد الحزب والثورة والقائد ..يمر البلد بحالة من الازدهار التي تعكرها في احيان عدة بطش الامن والاعتقالات المفاجئة .. في نفس يوم الصيف الحار الذي قامت فيه الثورة وبعد 11 عاما يعلن الرئيس القائد الاب تخليه عن السلطة وتسليمها الى نائبه الرفيق المناضل ..سرعان ما يعلن الاعلام الرسمي اكتشاف مؤامرة جديدة تهدف الى الاطاحة بذلك الرفيق المناضل يعدم رفقاء النضال الاوائل ويستبدلون باخرين من داخل العائلة , تدوي اصوات الانفجارات العاصمة بغداد يتهم (عملاء ايران) بتدبيرها يتبادل العراق الاتهامات مع رجال الدين الثوريين في ايران .. ثورة هنا وهناك , في العراق تنادي بالقومية العربية وفي ايران تنادي بالحكم الاسلامي !! وفجأة تشتعل الحرب على حدود البلاد الشرقية ,حرب طاحنة دامية لا يعرف الشعب متى تنتهي يساق الشباب الى الجبهة اما ان يعودوا كشهداء الى اهلهم او لا يعودوا ابدا فقد يفقدوا او يأسروا او يعودوا بعد ان لا يترك الاباء نبيا او اماما الا واستشفعوا به .. بعد ثمان سنوات قاتمة دامية يعلن الاعلام الرسمي بيان البيانات (النصر العظيم) وانتهاء حرب القادسية الثانية يخرج الناس للاحتفال.. 

  تمضي سنتان ويدخل البلد في حرب اخرى هذه المرة حرب مدمرة اكثر من سابقتها يدخل الجيش العراقي الكويت تلك الارض الصغيرة التي تعوم على بحر من النفط , يتحالف العالم لاخراج العراق من الكويت , يرفض الرئيس الاستسلام والخروج يقرر الحلفاء ضرب العراق , يحزم الناس حقائبهم للخروج من بغداد بأتجاه اماكن نائية خشية من القصف , تمطر بغداد بصواريخ الكروز والغارات الجوية , تنتهي الحرب فتشتعل انتفاضة غامرة في الجنوب والشمال تأكل الاخضر واليابس تسحق بوحشية وهميجة لم يشهد لها العالم الا قليلا من الحالات المشابهة , تفرض على البلاد عقوبات اقتصادية صارمة يموت يوميا عشرات الاطفال في المستشفيات نتيجة نقص الغذاء والدواء , يدخل المفتشون للبحث عن اسلحة الدمار الشامل المزعومة فلا يجدون شيء , تقول الدول الكبرى ان النظام في بغداد يكذب تدق طبول الحرب مرة اخرى ويتكرر المشهد مرة اخرى يهرع السكان الى اماكن نائية للاحتماء تدخل القوات الاجنبية الغريبة بغداد ويهمل النصب مرة اخرى , تبدأ حرب اهلية ! ان هذا البلد اقسمت الحروب ان لا تترك نهريه الخالدين يجريان بسلام ! .. تنتهي تلك الحرب وتبدأ اخرى ! يبقى الناس على امل ان تنتهي الحروب نهائيا وتترك هذا الوطن يعيش في سلام وامان لتتحقق منحوتة جواد سليم اخيرا ..